بسم الله الرّحمن الرّحیم
من المباحث الحديثة البحث عن التلقيح الصناعي و له صور و أقسام متعددة نبحث عنها بمقدار ما يوفقنا الله تعالي له إنشاء الله تعالي
الصورة الأولي: التلقيح بإدخال مني الرجل في رحم زوجته أو مملوكته بالأنبوبة أوغيرها من دون مجامعة
الظاهر أنه جائز ولا بأس به بشرط عدم إرتكاب المحرم في هذه العملية من اللمس الحرام و النظر و الإستمناء وغيرها، لعدم الدليل علي حرمته وجريان أصالة البرائة نقلاً و عقلاً، بل يدلّ عليه إطلاق قول رسول الله الأعظم صلي الله عليه وآله وسلّم في صحیح محمد بن مسلم: (من كان يحب أن يتبع سنتي فليتزوج فإن من سنتي التزويج، واطلبوا الولد فاني أكاثر بكم الأمم).[1] أو (أكثروا الولد أكاثر بكم الأمم غداً).[2] وقوله صلي الله عليه وآله وسلم علي ما في الخرائج والجرائح: (تناكحوا تناسلوا ، فاني أباهي بكم الأمم).[3]
الصورة الثانية: التلقيح بين بويضة الزوجة ونطفة الزوج خارج الرحم ثم نقل الملقّحة إلي رحم الزوجة
والظاهر عدم البأس به أيضاً بالشرط المذكور، لإطلاق الدليل السابق وجريان البرائة نقلاً وعقلاً.
الصورة الثالثة: التلقيح بين بويضة الزوجة ونطفة الزوج خارج الرحم وإبقاء الملّقحة خارج الرحم تحت محفظة إلي زمان التولد.
والظاهر أيضاً الجواز بشرط عدم ارتكاب المحرم لإطلاق الدليل و جريان الأصل.
الصورة الرابعة: التلقيح بين بويضة الزوجة ونطفة الزوج خارج الرحم ثم نقل النطفة الملّقحة إلي رحم أمرأة أخري یحرم نکاحها علی صاحب النطفة
والظاهر أنه غير جائز، لوجوب الإحتياط في الفروج المدلول عليه بخبر إبن سيابة الآتي إنشاء الله تعالي[4]
الصورة الخامسة: التلقيح بإدخال مني الرجل في رحم يحرم عليه من دون مجامعة
الظاهر أنه غير جائز و يمكن الاستدلال عليه بوجوه
الوجه الأول: قوله تعالي: (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن) [5]
بيان الإستدلال: قد يقال بأن مقتضي الصناعة هو وجوب حفظ المرأة فرجها ومقتضي مناسبة الحكم والموضوع بل إطلاق حفظ الفرج هو التحفظ علي الفرج عن كل ما يناسبها فيخرج منه مثل حفظ الفرج عن إصابة الماء بدخول النهر تخصصاً لا تخصيصاً ومن جملة ما يناسب الفرج ما يرتبط بتوليد الأولاد بأنحاء شتي، خرج من ذلك تمكينها للزوج و المالك من المجامعة ومن إفراغ المني في فرجها بالمجامعة بالدليل ويبقي تمكينها لغير الزوج والمالك بل وتمكينها للزوج من تلقيح نطفة الغير بل والتمكين له من تلقيحها بنطفته نفسه بغير الجماع تحت إطلاق الآية أو عمومها فإن الدليل إنما يقتضي وجوب تمكين الزوجة من الإستمتاع بها لاوجوب التمكين من الإستيلاد ولذا يجوز لها شرب مايمنع الحمل بغير الإسقاط فيبقي تمكينه من الإستيلاد بغير الجماع مندرجاّ تحت منع الآية نعم يجوز لها التمكين من الإستيلاد بالمجامعة فإنه من ملابسات الجماع الجائز[6]
وفيه أن الظاهر من وجوب الحفظ في الآية الكريمة بمناسبة الحكم والموضوع هو وجوب حفظ المرأة فرجها عما ينافي العفة[7] لا عما يناسب الفرج ولو لم يكن منافياً للعفاف فلا يشمل حفظه من إدخال الزوج نطفته فيه بغير الجماع، نعم يشمل حينئذ حفظ الفرج من نطفة الأجنبي لكن لو أفرغ ماء الأجنبی في رحم الأجنبية بالأنبوبة الواردة في الرحم من طريق الفرج من دون أن يفرغ الماء في الفرج فلم تشمله الآية ظاهراً، لأن هذا الإفراغ ولو كان منافياً للعفة لكن لايرتبط بالفرج حتي يكون ممنوعاً بل يرتبط بالرحم وهو ليس موضوعاً في الكريمة وأما إدخال الأنبوبة في الفرج ليس منافياً للعفة إن وقع بيد زوجها أو نفسها أو النساء الأخري من دون نظر و لمس وكذا لا تشمل الآية الكريمة إدخال النطفة في الرحم بواسطة إيجاد المنفذ في الرحم و إدخال الأنبوبة فيه كما اعترف به المستدل.[8]
ثم إنّا لم نقل إن الحفظ في الآية، هو الحفظ مما لايحلّ، لأن الظاهر أن الله تبارك وتعالي في صدد بيان التكليف بنفس الآية كما يظهر هذا من إستدلال الإمام عليه الصلاة والسلام ببعض آيات حفظ الفرج علي حرمة الإستمناء المنقول في بعض الأخبار[9]، لا أنها بصدد بيان وجوب الحفظ بالآية الكريمة وإيكال تبيين المتعلق إلي الأدلة الأخري من الروايات وغيرها، فلیزم أن یبین ما یجب حفظ الفرج منه ولو كان الحفظ في الآية الشريفة مما لايحل فهو إيكال التبيين إلي سائر الأدلة إذ لم يبين ما لايحلّ، في الآية المباركة.
ثم إنه يحتمل أن يكون المراد، الحفظ من النظر لإقترانه بقوله تبارك وتعالي: (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن)، فلا يتم الظهور في وجوب الحفظ عن مطلق المنافي للعفة لإحتمال قرينية هذه الجملة.
بل وردت روايات دالة علي أن الحفظ في الآية هو من النظر
منها رواية أبي عمرو الزبيري عن أبي عبد الله عليه الصلاة والسلام في حديث طويل قال عليه الصلاة والسلام: وقال: (قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن) من أن تنظر إحداهن إلى فرج أختها وتحفظ فرجها من أن ينظر إليه وقال: كل شئ في القرآن من حفظ الفرج فهو من الزنا الا هذه الآية فإنها من النظر[10]
ومنها ما رواه في دعائم الإسلام عن أبي عبد الله عليه الصلاة والسلام قال: وقال تبارك وتعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم)، يعنى من أن ينظر أحدهم إلى فرج أخيه ويحفظ فرجه من أن ينظر إليه أحد، ثم قال أبو عبد الله [عليه الصلاة والسلام]: كل شئ في القرآن من حفظ الفرج فهو من الزنا إلا هذه الآية، فإنها من النظر [11]
ومنها رواية علي بن الحسين المرتضى في رسالة (المحكم والمتشابه) نقلا من تفسير النعماني بسنده عن علي أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام في قوله عز وجل: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم) قال: معناه لا ينظر أحدكم إلى فرج أخيه المؤمن، أو يمكنه من النظر إلى فرجه، ثم قال: ( قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن) أي: ممن يلحقهن النظر كما جاء في حفظ الفروج، فالنظر سبب إيقاع الفعل من الزنا وغيره [12]
ومنها ما رواه محمد بن علي بن الحسين بإسناده إلي وصية أميرالمؤمنين عليه الصلاة والسلام لولده محمد بن حنفية رضي الله عنه من أنه عليه الصلاة والسلام قال: وفرض علي البصر أن لا ينظر إلى ما حرم الله عز وجل عليه فقال عز من قائل: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم) فحرم أن ينظر أحد إلى فرج غيره [13]
ومنها ما أرسله الصدوق رحمه الله تعالي وقال: وسئل الصادق عليه السلام عن قول الله عز وجل: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم) فقال كل ما كان في كتاب الله من ذكر حفظ الفرج فهو من الزنا إلاّ في هذا الموضع فإنه للحفظ من أن ينظر إليه.[14]
ومنها صحيح أبي بصير المروي في تفسير القمي رحمه الله تعالي عن أبي عبد الله عليه الصلاة والسلام ذيل قوله تبارك وتعالي: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم)، قال كل آية في القرآن في ذكر الفروج فهي من الزنا إلاّ هذه الآية فإنها من النظر فلا يحل لرجل مؤمن ان ينظر إلى فرج أخيه ولا يحل للمرأة ان تنظر إلى فرج أختها[15]
وسند الأول والثاني والثالث ضعيف و الرابع يمكن تصحيحه والظاهر أنه فسّر الآية وبيّن المراد مما أوجبت الآية غض البصر عنه لا أنه بيّن مصداقاً للآية و الظاهر أنه عليه الصلاة والسلام بيّن بهذا الكلام الشريف أن الغض في الآية هو من الفرج، لأجل ذكر حفظ الفرج بعده، فإذا ثبت أن الغض من البصر في الآية هو من الفرج لا مطلقاً لمكان ذكر حفظ الفرج بعده، فالظاهر أن حفظ الفرج أيضاً ليس مطلقاً بل هو من النظر خاصةً لمكان ذكر النظر قبله، بل يؤيد هذا بالروايات التي فسرت الغض من البصر وحفظ الفرج معاً أو حفظ الفرج خاصة وأما الخامس فقد یقال بحجیة مراسیل الصدوق رحمه الله تعالی التی أسندها إلی المعصوم علیه الصلاة و السلام بنجو القطع و الجزم کقوله: قال الصادق علیه الصلاه و السلام و نحوه،[16] و الظاهر أنه لظهور هذا الاسناد فی ثبوت الروایة عنده و یمکن أن یقال إن هذا الاسناد محتمل للحس و الحدس أی یحتمل أن یکون الاسناد القطعی لاجل ثبوت الروایة عنده بسند معتبر و یحتمل أن یکون لاجل ثبوتها بأمور حدسیة و سیرة العقلاء قائمة علی حمل مثله علی الحس فیما اذا لم تکن هناک اماره علی الحدس[17]. وأما السادس صحيح لكن قد يستشكل في تفسير علي بن إبراهيم بأنه جمعه بعض تلامذته الذين يجهل حالهم في الرجال
وأما توجيه الروايات بأن المراد منها أن الآية الشريفة تدل علي حرمة التمكين من النظر إلي الفرج لا إنحصار مدلولها في ذلك فمرادها أن سائر الآيات لا تتعرض لحرمة هذا بخلاف هذه الآية الكريمة و لا انّ هذه الكريمة لا تشتمل علي حكم غير التمكين من النظر من الفواحش التي تتضمن حكمها سائر الآيات.[18]
صحيح لأن جعل المقابلة بين هذه الآية وسائر الآيات وإن كان ظاهراً في أن هذه الآية الكريمة تنحصر في النظر، بل قوله عليه الصلاة والسلام في مقام بيان المراد من الآية: (فإنه للحفظ من أن ينظر إليه) ظاهر عرفاً في الإنحصار أما حيث إن سائر الآيات تدل علي وجوب الحفظ من الزنا والسحق والإستمناء و اللواط وهذه أشدّ من النظر فلا محالة تشتمل الآية علی حكم الفواحش التي تتضمن حكمها سائر الآيات لأن النهي عن الأخف نهي عن الأشد بالطريق الأولي.
لكن لا يجدي هذا التوجيه فی رفع الإشكال عن دلالة الآية علي ما نحن فيه إذ لا یعلم کون الإفراغ هذا من الفواحش التی تتضمن حکمها سائر الآیات حتی یقال بشمول الآیة له با دعاء أن الروایات المذکورة ناطقة بأن هذه الآیة تدل علی حرمة الفواحش المذکورة فی سائر الآیات مع إضافة حرمة التمکین من النظر، لاحتمال اختصاص الحفظ فی سائر الآیات بالحفظ عن مثل الزنا، بل الروایات تدل علی هذا و کذا لا تعلم اشدیة إفراغ نطفة الأجنبی فی رحم الأجنبیة بالآلات من النظر الی فرجها الا أن یقال بأن المرتکز فی أذهان المتشرعة أشدیتة منه لکن تحقق هذا الارتکاز لیس بمعلوم.
ولو قيل إن الروايات المذكورة إنما ناطقة بأن سائر الآيات تدل علي حرمة الزنا دون التمكين من النظر وهذه الكريمة تدل عليهما معاً، لكن لاتنفي إطلاق الآية للحفظ مما يناسب الفرج مطلقاً أو بشرط أن يكون منافياً للعفة، فهو خلاف الظاهر جداً
الوجه الثاني: قوله تبارك وتعالي في الكتاب العزيز: (والذين هم لفروجهم حافظون إلاّ علي أزواجهم أو ما ملكت أيمانمهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغي وراء ذلك فأولئك هم العادون) [19]
وتقريب الإستدلال به يمكن بوجهين:
التقريب الأول: إن قوله تبارك وتعالي: (والذين هم لفروجهم حافظون)، مطلق يشمل الحفظ من كلّ ما يناسب الفرج و قد عدّ في الآية المباركة من لايحفظ فرجه من غير زوجته ومملوكته من العادين فيحرم ترك حفظ الفرج للرجل و إذا ثبتت حرمة ترك حفظ الفرج للرجل ثبتت حرمته للمرأة أيضاً لوحدة تكليف حفظ الفرج في الرجل والمرأة و إشتراكه بينهما ، فيحرم تمكين الأجنبية من إفراغ ماء الأجنبي بالآلات في رحمها ، لأنه مناف للحفظ.
ويمكن أن يستدل علي وحدة التكليف بين الرجل والمرأة بوجهين:
الأول: قوله تعالي في سورة الأحزاب: (إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيماً)[20] لأنه ذكر الموارد التي يشترك فيها الرجل والمرأة و يستويان فيها إلاّ في الأحكام التي صرّح في الشرع الأنور بالفرق بينهما فيها، فيظهرأن ما يجب حفظ الفرج منه سواء للرجل والمرأة أيضاً بحكم وحدة السياق وعدم بيان الفرق بينهما فیه في الشرع الأقدس.
و لأنّّ حذف متعلق حفظ الفرج وذكر الحفظ علي الرجل والمرأة ظاهر في أن متعلق الحفظ فيهما أمرٌ واحدٌ إلاّ أن يصرّح بالفرق بينهما كما ذكر بعض الأفاضل في كتابه ما يكون قريباً بهذا الأخير[21]
ثم إنه لا فرق بين أن تدل الآية الشريفة علي وجوب حفظ الفرج أم لا لأنها تدل علي إشتراك التكليف بين الرجل والمرأة سواء كان التكليف وجوبياً أم ندبياً
الثاني: الروايات المتقدمة في ذيل الآية السابقة فارغاً عن تفسيرها الحفظ بالحفظ من الزنا، حيث ذكرت أن كل آية في القرآن في ذكر الفروج فهي من الزنا إلاّ تلك الآية فإنها من النظر، إذ الظاهر من الروایات أن الحفظ هناک يكون من النظر في الرجل والمرأة كليهما، لأن الصحيح من هذه الروايات و إن فسرت الآية المختصة بالرجال، لكن المراد ظاهراً أن الحفظ في الآيتين، هو من النظر، لانّ الآيتين متشابهتان غير أن واحدة منها ذكرت حكم الرجل والأخري حكم المرأة وبعيد جداً أن يكون الحفظ في أحديهما من النظر دون الأخري، والمتفاهم العرفي من الرواية الشريفة أن الحفظ في الآيتين يكون من النظر ويؤيد المطلب ذكر هذا التفسير للرجل والمرأة في بعض هذه الروايات، إذا عرفت هذا فالظاهر أیضاً من هذه الروايات أن التکلیف وحدانی ذکر بعض مصادیق المکلف به فی سائر الآیات و بعضها الآخر الذی لم یذکر فی تلک الآیات، فی آیه الغض و حیث استظهرنا أن المذکور فی آیة الغض مشترک بین الرجل و المرأة فالتکلیف کله مشترک بینهما أیضاً لأنه تکلیف واحدٌ و کذا آیة الغض متضمنة للتکلیف کله لانها کما قلنا تشمل المصادیق المذکورة فی سائر الآیات و هذه الآیه مشترکة بین الرجل و المرأة فالتکلیف مشترک بینهما بمقتضی الآیة الشریفة أیضاً
فعلي هذا لو قيل بأن الآية الكريمة في سورة المؤمنون الآمرة بحفظ الرجال فروجهم مطلقة ولاتختص بالزنا وأجيب عن مفاد هذه الروايات الدالة علي أختصاص هذه الآية المباركة بالزنا، أمكن الحكم بشمول هذا التكليف المطلق للنساء، لأنا إستفدنا من هذه الروايات إشتراك التكليف بين الرجل والمرأة و أجبنا عن دلالتها علي إختصاص الآية بالزنا.
علي أنّ بقية فقرات هذه الآيات المبحوث عنها في سورة المؤمنون والمعارج من الخشوع في الصلاة والإعراض عن اللغو وغيرهما لاتختص بالرجل فوحدة السياق تقتضي عدم إختصاص حفظ الفرج في الكريمتين بالرجل أيضاً و كون المراد الأعم من الرجل والمرأة و إن ذكر الرجل خاصة، نعم يستثني في المرأة حينئذ من جواز ترك الحفظ، ترك حفظ الفرج علي ما ملكت أيمانها فلا تجوز لها تركه، هذا.
إن قلت: إن الإطلاق منصرف إلي حفظ الفرج من الجماع فلا تشمل الآية الكريمة إدخال الماء في الفرج بالأنابيب
قلت: إن الإنصراف ناشئ من غلبة الوجود أو شدّته أو يحتمل أن يكون ناشئاً منه علي الأقل.
هذا تمام الإستدلال في التقريب الأول.
لكن يردّ هذا الإستدلال بما تقدم في الآية السابقة من أن الظاهر من حفظ الفرج في الآية الكريمة بمناسبة الحكم والموضوع، حفظ الفرج مما ينافي العفة، و لو كان إفراغ الماء في رحم الأجنبية بالأنبوبة من دون أن يفرغ في الفرج منافياً للعفة فتمكين الأجنبية له فعل المنافي للعفة مع الرحم وترك حفظ الرحم من المنافي للعفة ولا تدل الكريمة علي حرمته، لأنها تدل علي حرمة ترك حفظ الفرج مما ينافي العفة لا حرمة ترك حفظ الرحم، اللهم إلاّ أن يقال بأن عبور ماء الأجنبي من الأنبوبة الداخلة في الفرج من دون أن يفرغ فيه هو فعل المنافي للعفة مع الفرج وترك حفظه من المنافي فتشمله الآية و أما إدخال الأنبوبة في الفرج لايكون منافياً للعفة لوكان بواسطة الزوج أو نفسها أو النساء من دون نظر ولمس و لو كان منافياً لها في الصورة الأخيرة لم يكن حراماً لو قلنا بجواز الإفراغ وكان الإفراغ مضظراً اليه ولم يمكن إدخال الإنبوبة بيد الزوج أو نفسها
علی أن الروایات السابقه داله علی أن الحفظ هو من الزنا فلایتم الاستدلال.
التقريب الثاني: إن الحفظ في الآية الكريمة مطلق يشمل كل حفظ حتي حفظ الرجل ماء فرجه من الإفراغ في رحم الأجنبية بالأنبوبة ومن دون الجماع [22]
وفيه أن المذكور في الآية الشريفة حفظ الفرج، فيشمل ما لو أنزل الماء بترك حفظ الفرج مثل أن ينزل بالوطي، أما لم يذكر حفظ ماء الفرج مستقلاً، فلو أنزل الماء بطريق شرعي ثم أرسل إلي رحم الأجنبية من دون ارتكاب المحرم، لم تشمله الآية إلاّ أن يقال: إن المتفاهم العرفي من حفظ الفرج، حفظه و حفظ مائه و لو بعد أن ينزل من الفرج بالطريق الحلال، لكن في هذا الفهم من العرف تردد لو لم يكن ممنوعاً. و علي كل حال فقد عرفت دلالة الروایات علی أن الحفظ هو من الزنا.
ثم إنه قد يقال بأن الحفظ في صدر الآية، الحفظ من الزنا بدليل الروايات، لكن ذيل الآية الكريمة مطلق حيث يقول: (فمن إبتغي وراء ذلك فأولئك هم العادون)، فقوله تبارك وتعالي: (وراء ذلك) مطلق يدل علي أنه لو ترك الرجال حفظ فروجهم و إبتغوا غير هذين الطريقين مطلقاً فهم العادون و من إحدي مصاديق قوله تبارك وتعالي: (فمن إبتغي وراء ذلك)، إقرار الرجل نطفته في رحم الأجنبية فيحرم عليه وكذا يحرم علي المرأة التمكين من إدخال نطفة غير زوجها في رحمها علي أساس قاعدة إشتراك التكليف بين الرجل والمرأة، فلا نحتاح في هذا الإستدلال بقاعدة حذف المتعلق وإستفادة العموم منه، ويدلّ علي هذا الإطلاق بعض الروايات التي إستدل الإمام عليه الصلاة والسلام فيها بهذه الآية علي حرمة الإستمناء.
ففي رواية أحمد بن عيسي في نوادره عن أبيه ، قال: سئل الصادق عليه الصلاة والسلام عن الخضخضة فقال: إثم عظيم قد نهى الله في كتابه وفاعله كناكح نفسه، ولو علمت بما يفعله ما أكلت معه، فقال السائل: فبين لي يا ابن رسول الله من كتاب الله فيه فقال: قول الله: (فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) و هو مما وراء ذلك[23]، فتمسك لحرمة الإستمناء بهذه الآية المباركة وجعل الإستمناء من مصاديق إستعمال الرجل فرجه فی غير زوجته وجاريته وهو كاشف عن إطلاق الآية لأن الإمام عليه الصلاة والسلام يريد أن يقول: حتي ولو لم أذكر ذلك وقمتم بالتدقيق لأستطعتم الإستدلال بإطلاقها علي حرمة الإستمناء [24]
وفيه أن قوله تبارك وتعالي: (فمن إبتغي وراء ذلك)، تفريع علي الإستثناء والمستثني منه كما ذكر العلامة الطباطبائي قدس سره الشريف في تفسير الميزان[25] و الظاهر أن هذه الجملة تدلّ علي ما يدلّ عليه الإستثناء والمستثني منه ولاتزيد عنهما إلاّ أن الإستثناء والمستثني منه بلسان توصيف المؤمنين وهذه الجملة بلسان بيان التكليف، فمتعلق الحفظ في الموضعين واحد وحيث إن الحفظ في صدر الآية، هو من المواقعة والمقاربة، فلا محال يكون المراد من (وراء ذلك)، مواقعة غير الزوجه والمملوكة ولا أقل من إحتماله لذكر مس الزوجه والملوكة قبل هذه الجملة فلا ينعقد الإطلاق.
وقد ذكر العلامة الطباطبائي قدس سره الشريف في معني هذه الجملة المباركة: وقوله: (فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) تفريع على ما تقدم من الاستثناء والمستثنى منه أي إذا كان مقتضى الايمان حفظ الفروج مطلقا إلاّ عن طائفتين من النساء هما الأزواج وما ملكت أيمانهم، فمن طلب وراء ذلك أي مس غير الطائفتين فأولئك هم المتجاوزون عن الحدّ الذي حده الله تعالى لهم .[26]
وأما رواية النوادر لا تدل علي إطلاق الآية لأنها تقول: (وفاعله كناكح نفسه)، فيعلم أن سرّ شمول الآية المباركة للإستمناء هو أن فاعله كناكح نفسه وأن الإستمناء من قبيل النكاح فلا تدلّ الآية علي حرمة كلّ إستعمال للفرج بل تدلَ علي حرمة ما يكون من قبيل النكاح ولاأقل من إحتمال أن يكون السرّ ذلك، لذكرالجملة المذكورة في الرواية
الوجه الثالث: قوله تبارك وتعالي: (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفورا رحيماً)[27]
بتقريب أن متعلق التكليف محذوف ولامعني لحرمة ذوات هذه النساء فلابد من تقدير فعل، وحيث إن حذف المتعلق يفيد العموم فالمتعلق كل فعل معهن أو كل فعل مناسب للفرج إذ يلزم من الأول تخصيص الأكثر أو كل فعل منافي للعفة بمناسبة الحكم والموضوع وعلي كل تقدير يشمل إدخال نطفة الرجل في رحم هذه النساء المذكورات
وفيه أن ظاهر الآية المباركة بقرينة قوله تبارك وتعالي: (وأن تجمعوا بين الأختين) و بقرينة قبل الآية وبعدها حرمة نكاح المذكورات كما ذكره العلماء [28]
الوجه الرابع: قوله تبارك وتعالي: (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن) [29] و (ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن) [30]
بيان الإستدلال: إن الله تبارك وتعالي حرم الفواحش والفاحشة هی مايقبح، وإدخال نطفة الأجنبي في رحم الأجنبية قبيح، فهو حرامٌ بحكم الآية الشريفة
وفيه أن المتبادر من هذه الكلمة، ما يشتد قبحه لا مطلق القبيح وإختلفت كلمات اللغويين فيها، فبعضهم أخذوا الشدة في معناها وبعضهم أطلقوا.
فقال في الصحاح: الفحشاء: الفاحشة. وكل شئ جاوز حده فهو فاحش انتهی.[31]
وفي معجم مقاييس اللغة: (فحش) الفاء والحاء والشين كلمة تدل على قبح في شيء وشناعة ،من ذلك الفحش والفحشاء والفاحشة، يقولون كل شيء جاوز قدره فهو فاحش ولا يكون ذلك إلا فيما يتكره انتهی.[32]
وقال في لسان العرب: الفحش: معروف. ابن سيده: الفحش والفحشاء والفاحشة القبيح من القول والفعل، وجمعها الفواحش ...... وقد تكرر ذكر الفحش والفاحشة والفاحش في الحديث، وهو كل ما يشتد قبحه من الذنوب والمعاصي، قال ابن الأثير: وكثيرا ما ترد الفاحشة بمعنى الزنا ويسمى الزنا فاحشة ...... فهي فاحشة من الأقوال والأفعال، ومنه الحديث: قال لعائشة لا تقولي ذلك فإن الله لا يحب الفحش ولا التفاحش، أراد بالفحش التعدي في القول والجواب لا الفحش الذي هو من قذع الكلام ورديئه انتهی.[33]
وفي قاموس المحيط: الفاحشة: الزنى، وما يشتد قبحه من الذنوب، وكل ما نهى الله عز وجل عنه. والفحشاء: البخل في أداء الزكاة. والفاحش: البخيل جدا، والكثير الغالب انتهی.[34]
وفي تاج العروس: الفاحشة: الزنا، نقله الجوهري. وابن الأثير، وبه فسر قوله تعالى (إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) قالوا: هو أن تزني فتخرج للحد. وقد تكرر ذكر الفحش والفاحشة والفاحش في الحديث، وهو كل ما يشتد قبحه من الذنوب والمعاصي. وقيل: كل ما نهى الله عز وجل عنه فاحشة، وقيل: كل خصلة قبيحة فهي فاحشة من الأقوال والأفعال، وقيل: كل أمر لا يكون موافقا للحق والقدر، فهو فاحش انتهی. [35]
وقال الراغب في المفردات: فحش: الفحش والفحشاء والفاحشة ما عظم قبحه من الافعال والأقوال، وقال: (إن الله لا يأمر بالفحشاء - وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون - من يأت منكن بفاحشة مبينة - إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة - إنما حرم ربى الفواحش - إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) كناية عن الزنا، وكذلك قوله: (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم)انتهی.[36]
و فسرت الفواحش في بعض الروايات بالزنا والسرقة أو الزنا خاصة.
مثل صحيح إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه الصلاة والسلام في قول الله عز وجل: (الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش إلا اللمم)[37] فقال: الفواحش الزنا والسرقة، واللمم الرجل يلم بالذنب فيستغفر الله منه . . . الحديث.[38]
وفي خبر علي بن يقطين، عن أبي الحسن (عليه السلام) في حديث انه سئل عن قوله تعالى: (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم والبغي بغير الحق) فقال: أما قوله: (ما ظهر منها) فهو الزنا المعلن ونصب الرايات التي كانت ترفعها الفواجر للفواحش في الجاهلية وأما قوله: (وما بطن) يعنى ما نكح الآباء فان الناس كانوا قبل ان يبعث النبي (صلى الله عليه وآله) إذا كان للرجل زوجة ومات عنها تزوجها ابنه من بعده إذا لم تكن أمه فحرم الله عز وجل ذلك الحديث.[39]
و روي محمد بن الحسن باسناده، عن البرقي، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبيه، عن علي بن الحسين (عليه السلام) قال: (الفواحش ما ظهر منها وما بطن) ما ظهر نكاح امرأة الأب وما بطن الزنا.[40]
وكذا سائر الروايات لكنها ضعيفة مثل الأخيرين.
نعم يمكن أن يقال إن ذكرالموارد المذكورة في الروايات من باب ذكر المصاديق لا إنحصار الفواحش فيها فتشمل الفواحش سائر المعاصي المعلومة كونها معصية كما ذكر غير المذكورات في سائر الروايات بعنوان الفاحشة.[41]
الوجه الخامس: ما رواه محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن عثمان بن عيسي عن علي بن سالم عن أبي عبد الله عليه الصلاة والسلام قال: إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة رجل أقر نطفته في رحم يحرم عليه [42]
والسند مشتمل علي علي بن سالم و يمكن أن يستشكل بأنه مردد بين ابن أبي حمزة البطائني الذی اشتهر ضعفه علي ما نقل و علي بن سالم الكوفي المجهول
ولكن الظاهر اتحادهما، لاتحاد الاسم و إسم الأب و المحل أي الكوفة و لراوية إبن أبي عمير و يونس بن عبدالرحمن و عثمان بن عيسي و علي بن أسباط و الحسين بن يزيد عنهما و لروايتهما عن أبي عبد الله و أبي إبراهيم موسي بن جعفر عليهما الصلاة والسلام و بعيد أن يتحد شخصان في جميع هذه الامور و لعله لهذا حكم جدّ الوحيد البهبهاني قدس سرهما باتحاد ابن سالم هذا مع البطائني[43]
وأما ضعف علي بن أبي حمزه فغير مسموع لأن الشيخ قدس سره الشريف وثّقه في العدة و قال: و إذا كان الراوي من فرق الشيعة مثل الفطحية و الواقفة و الناووسية و غيرهم نظر فيما يرويه: ..... و إن كان ما رووه ليس هناك ما يخالفه ولا يعرف من الطائفة العمل بخلافه وجب أيضاً العمل به إذا كان متحرجاً في روايته موثوقاً في أمانته، و إن كان مخطئاً في أصل الاعتقاد و لأجل ما قلناه عملت الطائفة بأخبار الفطحية مثل عبدالله بن بكير و غيره و أخبار الواقفه مثل سماعة بن مهران و علي بن أبي حمزه و عثمان بن عيسي، و من بعد هؤلاء بما رواه بنو فضال و بنو سماعه و الطاطريون وغيرهم، فيما لم يكن عندهم فيه خلافه.[44]
وهذا الكلام كما تري يدل علي توثيق الشيخ قدس سره الشريف له كما يدل علي كونه موثوقاً به عند الطائفة و هذا وجه آخر لوثاقته أعظم من الوجه الأول و وجه دلالته أن الشيخ رحمه الله تعالي أخبر عن عمل الطائفة برواياته لأجل وثوقهم به و هذا الإخبار عن وجه عمل الطائفة ظاهر في الإخبار عن الحس لا الحدس و إن لم يقبل الظهور قلنا إن وجه عملهم کما نقل المحدث النوری عن المجلسی الأول رضوان الله تعالی علیهما[45] و غیرناه بیسیر هو:
إما موافقة روايته مع ما رواه الثقات من الأصحاب أو وجود قرينة تؤيدها فهو مخالف لخبر الشيخ قدس سره الشريف من أن الطائفة عملت برواياته فيما لم يكن عندهم فيه خلافه کما نبّه علیه المحدث النوری قدس سره الشریف[46]
و إما كونه ثقة في حال استقامته و انما أخذت عنه الطائفة في هذا الحال فهو أيضاً مخالف لقول الشيخ رحمه الله تعالي لأن ظاهر كلامه أعلي الله تعالی مقامه أن الاصحاب رحمهم الله تعالي أخذوا عنه قبل وقفه و بعده و عملوا برواياته حيث ذكره مع سائر الرواة من الفطحية وغيرها من الذين عمل الأصحاب برواياتهم في حال انحرافهم وحيث فصّل في عمل الطائفة بما ترويه الغلات والمتهمون بين حال الاستقامه والانحراف[47] ولم يفصل هنا و قال المحدث النوري قدس سره: لايتم هذا الوجه أی الأخذ عنه فی حال استقامته في رواية من لم يدرك الامام الكاظم عليه الصلاة و السلام عنه مثل موسي بن القاسم. ثم قال بعد سطور: و يؤيده، عدم تقييد أحد منهم في بعض رواياته روايته عنه بقوله: قبل وقفه، كما كانوا قد يفعلونه في بعض أخبار المنحرفين[48]
و إما كونه ثقة في غير ما يتعلق بمذهبه الباطل و هذا هو الظاهر من اطلاق اجماع العدة كما ذكر المحقق النوري [49]
والوجه الآخر لوثاقته رواية إبن أبي عمير و صفوان بن يحيي و أحمد بن محمد بن أبي نصر الذين لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة [50] عنه.
نعم نقل الكشي في ترجمة علي بن أبي حمزه عن ابن مسعود قال سمعت علي بن الحسن: ابن أبي حمزه كذاب ملعون قد رويت عنه أحاديث كثيرة و كتبت تفسير القرآن من أوله إلي آخره الاّ انّي لا أستحل أن أروي عنه حديثاً واحداً [51]
لكنه نقل هذا الكلام بعينه عن ابن مسعود في ترجمة الحسن بن علي بن أبي حمزه مصرحاً باسم الحسن وقال سألت علي بن الحسن بن فضال عن الحسن بن علي بن أبي حمزه البطائني فقال: كذاب ملعون قد رويت ....[52]
وكما تري انه لم يصرح بعلی في الكلام السابق في ترجمة علي بن أبي حمزه كما تفطن به صاحب المعالم قدس سره الشريف[53] و الظاهر أن الواقعة واحدة فلا يثبت بهذا الكلام قدح لعلي بن أبي حمزه لظهوره في إرادة الحسن بواسطة تصريحه في موضع آخر و وحدة الواقعة ولا أقل من إجماله. علي أن السيد المحقق الخوئي قدس سره الشريف قد ذكر أن علي بن الحسن بن فضال لم يدرك الإمام الرضا عليه الصلاة والسلام و إنما هو من أصحاب الهادي و العسكري عليهما الصلاة والسلام و لم يرو عن أبيه ألذي هو من أصحاب الرضا عليه الصلاة والسلام بلاواسطة معتذراً بأنه كان صغير السن في زمانه فكيف يمكن أن يكتب التفسير كله و يروي أحاديث كثيرة عن علي البطائني ألذي مات في زمان الإمام الرضا عليه الصلاة والسلام [54]
ثم نقل الكشي عن ابن مسعود عن ابن فضال أيضاً أن علي بن أبي حمزة كذّاب متهم [55]
والظاهر أنه ناظر إلي كذبه العظيم المعروف أعني إدعائه عدم إرتحال أبي ابراهيم الإمام موسي بن جعفر عليهما الصلاة والسلام و أنه الامام المنتظر الذي غاب و يرجع لا الي كذبه في رواياته أو ناظر الی بعد وقفه.
لرواية كثير من الرواة عنه و فيهم الأجلاء والذين لا يروون ولا يرسلون إلاّ عن ثقة مثل ابن أبي عمير و صفوان و البزنطي و من البعيد جداً أن يروي عنه هذا الجمع الكثير خصوصاً أجلائهم و أعاظمهم مع كذبه و إتهامه فيعلم أنه كان موثقاً عندهم و لا يمكن عادة كونه كذّاباً و عدم اطلاع هذا الجم الغفير عنه فيظهر أنّ كذبه المنقول مربوط بغير ما يتعلق برواياته أو يرتبط بما بعد وقفه
ولكونه من قوام أبي الحسن الإمام موسي بن جعفر عليهما الصلاة والسلام فكيف يمكن أن يجعل الإمام عليه الصلاة والسلام شخصاً كذّاباً متهماً بعنوان القائم علي أمواله والوكيل عن جانبه فيعلم أنه قبل وقفه كان موثقاً وجيهاً
ولانصراف الكذب إلي الكذب العظيم المعروف فيما اذا كذب الشخص كذباً عظيماً مشهوراً
و يؤيد کونه ناظراً الی کذبه العظیم إن لم يدل عليه أن الكشي نقل عن ابن فضال في موضع آخر بعد قوله: ابن أبي حمزه كذاب متهم، قوله: روي أصحابنا أن الرضا [عليه الصلاة والسلام] قال بعد موته: أقعد علي بن أبي حمزة في قبره فسئل عن الأئمة فأخبر بأسمائهم حتي انتهي إليّ فسئل؟ فوقف فضرب علي رأسه ضربة إمتلأ قبره ناراً [56]
فذکره هذا الحدیث الشریف بعد تضعیفه للبطائنی یؤید أن التضعیف ناظر الی کذبه العظیم المعروف إن لم یدلّ علیه فالتضعيف هذا غير مرتبط بحاله في نقل الرواية بل مربوط بكذبه بالنسبة إلي إرتحال مولينا الإمام الكاظم عليه الصلاة والسلام أو بحاله بعد الوقف مطلقاً و الأول أقوي بمقتضي اطلاق إخبار الشيخ قدس سره عن عمل الطائفة، و ان لم يقبل وثاقته في نقل الرواية مطلقاً فالظاهر كونه ثقة في حال الاستقامة و الظاهر أيضاً حينئذ أخذ الأصحاب عنه في هذا الحال لا حال انحرافه لأن ضعفه واتهامه ليس كسائر موارد الضعف بل هو من أعظمها فيبعد جداً رجوع الأصحاب اليه مع اعترافهم بكذبه وعدم وثاقته بهذه المرتبة لاسيما الذين لايروون الا عن ثقة و خصوصاً مع ما روي من تعبيرالأصحاب للواقفة بالممطورة [57] أي الكلاب التي أصابها المطر مبالغة في نجاستهم و البعد عنهم[58] و مع ما روي من الأمر بالدعاء عليهم في القنوت[59] و الغرض ان هذا الكذب الكبير إما لم يضر بوثاقته في نقل الرواية عند الأصحاب كما هو الأقوي فهو و إما ضرّ بحيث منع عن رجوع الأصحاب اليه وأما رواية موسي بن القاسم عنه فلابد حينئذ من توجيهها بأن النقل إنما وقع من أصله الذي ألّفه و اشتهرعنه قبل الوقف أو بغير هذا التوجيه كما وجّه به الشيخ المحقق البهائي قدس سره تعويل العلماء علي رواية رواها الثقات عن أحد الواقفة ثم قال رحمه الله تعالي: فقد بلغنا عن مشايخنا قدس الله أرواحهم أنه كان من دأب أصحاب الأصول أنهم إذا سمعوا من أحد الأئمة عليهم السلام حديثاً بادروا إلي اثباته في أصولهم لئلا يعرض لهم نسيان لبعضه أو كله بتمادي الأيام و توالي الشهور و الاعوام [60]
ثم لو قلت بأن هذا التضعيف مطلق يشمل حاله في الرواية مطلقاًَ قلنا إنه معارض بتوثيق الطائفة المنقول بواسطة الشيخ أعلي الله تعالی مقامه و المستكشف عن رجوع الأصحاب اليه والأخذ عنه فيقدم التوثيق لقوته.
فعلي هذا لو كان علي بن سالم هذا متحداً مع البطائني كما قويناه فقد عرفت أنه ثقة و لو كانا متعددين لم يضر لرواية ابن أبي عمير عن ابن سالم فهو ثقة أيضاً
وأما عثمان بن عيسي فقد وثّقه الشيخ قدس سره في عبارته المذكورة و الظاهر كونه ثقة في الرواية عند الأصحاب حتي بعد الوقف ولا أقل من کونه موثوقاً به حال الاستقامة و انحصار أخذ الاصحاب عنه فی هذا الحال.
فالرواية علي هذا موثقة يمكن الاعتماد عليها و قد عبّر عنها المجلسي الأول قدس سره الشريف بالموثق كالصحيح [61]
وأما دلالة الحديث: فنقول إن الرواية تدل باطلاقها علي حرمة إقرار نطفة الرجل في رحم يحرم عليه سواء حصل من طريق المجامعة أو غيرها و منه إدخالها بالآلات الجديدة التي تستعمل في التلقيح الصناعي وظاهرها أن الإقرار بنفسه موضوع للحرمة الشديدة غير حرمة المترتبة علي الزنا ولا ينصرف إطلاقها إلي إقرارها من الطريق العادي أي الجماع لأن غلبة الوجود لا توجب الانصراف.
فما قد يقال من أن الظاهر منها مباشرة الأجنبي في ذلك الظاهر في مقاربته إياها [62] ممنوع لمنع الظهور الثاني بواسطة الإطلاق غيرالمنصرف ولا فرق حينئذ عرفاً بين مباشرة صاحب النطفة في الإقرار و بین تسليمها إلي الغير حتي يقرّها في الأجنبية فيرفع اليد عن الظهور الثاني أيضاً، فتشمل الرواية ما لو سلّمها إلي الغير ثم أقرّها الغير في الأجنبية، سواء علم الرجل بأن الغير يقرّها في أية إمرأة أم لم يعلم و كذا سواء عرفت المرأة صاحب النطفة أم لا و سواء عرف الرجل، الشخص المقرً أم لا خلافاً لما يظهر من بعض الأفاضل[63]، وكذا تشمل الرواية ما لو أقرها الغير من دون أن يسلّمها إليه صاحب النطفة و يطّلع علي فعله، لعدم خصوصية في إقرار الرجل نطفة نفسه. نعم فی الصورة الأخیرة لایأثم صاحب النطفة بل یأثم المقر خاصة.
وأما كون المتفاهم العرفي من الإقرار في زمان الصدور إقرار النطفة من طريق المقاربة لايمنع عن التمسك بالإطلاق في زماننا هذا، لأنه كان ناشئاً من غلبة الوجود أو يحتمل علي الأقل.
نعم يمكن أن يقال إنّ أشدية العذاب تناسب إقرارها من طريق الزنا، فالرواية ظاهرة في حرمة الإنزال في الزنا علاوة علي حرمة الزنا فيجب العزل فيه.
و فيه أننا لانعلم بالملاكات و ماهو فی الواقع فلعله تكون في إقرار النطفة في رحم الأجنبية بنفسه مفسدة توجب العذاب الأشد كما انه يساعده الإعتبار فإنه سبب للتوليد فلا ينعقد بها هذا الظهور للكلام نعم توجب هذه العبارة إجمال الحديث لاحتمال قرينيتها لإرادة حرمة الإقرار والإنزال في الزنا کما أشار الیه بعض الأساتیذ مجملاً.
ثم إنه قد يقال بأن في التعبير بالنطفة التي هي أمشاج من مني الرجل و بويضة المرأة دلالة علي أن تمام الموضوع هو وضع النطفة المنعقدة من ماء الرجل و بويضة المرأة في رحم يحرم عليه بحيث لو أفرغ ماء الرجل ولم تنعقد النطفة لم يحرم[64]وحينئذ فوجه اسناد وضع النطفة في ظاهر الحديث إلي الرجل هو أن إفراغه لمائه هو السبب القوي في تكوّن نطفة الانسان[65]
وفيه أن النطفة لغة هي المنی فقد قال الجوهري في الصحاح: النطفة: الماء الصافي، قل أو كثر والجمع النطاف. والنطفة: ماء الرجل، والجمع نطف انتهی.[66]
وقال في لسان العرب: والنطفة: الماء القليل يبقي في الدلو. ثم قال: وبه سمّي المني نطفة لقلته .... وفي الحديث: تخيروا لنطفكم، وفي رواية: لا تجعلوا نطفكم إلا في طهارة، وهو حثّ علي إستخارة أم الولد وأن تكون صالحة، وعن نكاح صحيح أو ملك يمين، انتهي.[67]
وقد ورد في بعض الروايات هذا التعبير بالنسبة إلي ماء الرجل مثل ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبدالله قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المرأة تغتسل من الجنابة، ثم تري نطفة الرجل بعد ذلك هل عليها غسل؟ فقال: لا). [68] وما ورد في صحيح رفاعة قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أشتري الجارية فربما احتبس طمثها من فساد دم أو ريح في رحم فتسقي دواء لذلك فتطمث من يومها، أفيجوز لي ذلك وأنا لا أدري من حبل هو أو غيره؟ فقال لي: لا تفعل ذلك، فقلت له: إنه إنما ارتفع طمثها منها شهراً ولو كان ذلك من حبل إنما كان نطفة كنطفة الرجل الذي يعزل، فقال لي: إن النطفة إذا وقعت في الرحم تصير إلى علقة، ثم إلى مضغة، ثم إلى ما شاء الله، وإن النطفة إذا وقعت في غير الرحم لم يخلق منها شئ فلا تسقها دواء إذا ارتفع طمثها شهراً وجاز وقتها الذي كانت تطمث فيه)[69]. وكذا يوجد غيرهما[70]
ولا ينافيه ما لو وردت بمعني آخر وفي رواية علي بن سالم تكون ظاهرة في هذا المعني بقرينة إضافتها إلي الضمير الراجع إلي الرجل
الوجه السادس: ما رواه محمد بن علي بن الحسين قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله): لن يعمل ابن آدم عملاً أعظم عند الله عز وجل من رجل قتل نبياً، أو هدم الكعبة التي جعلها الله عز وجل قبلة لعباده، أو أفرغ ماءه في امرأة حراماً [71]
وجه الدلالة: فقد يقال إن ظاهر الحديث أن إفراغ الماء في إمرأة حراماً حرام آخر غير الإيلاج بها وبتناسب الحكم والموضوع يعلم أن سرّ حرمة الإفراغ برأسه كونه سبباً عادةً لإنعقاد النطفة بوجه غير مشروع فيستفاد منه أن عقد النطفة بمني الرجل و بويضة المرأة التي يحرم الجماع معها حرام [72]
وفيه أن عقد النطفة بوجه غير مشروع و إن کان حراماً أما كون عقد النطفة بمني الرجل وبويضة إمرأة يحرم الجماع معها من دون مقاربة و فعل حرام غير مشروع أول الكلام فلا يستفاد حرمته، بل الحديث الشريف يدل علي شدة العذاب للافراغ الحرام فضلاً عن عقد النطفة أما حرمة الإفراغ بالطريق المبحوث عنه أول الكلام .
نعم يحتمل بعيداً أن تكون عبارة (حراماً) حالاً من المرأة فالمعني هو: أفرغ ماءه في إمرأة حالكونها محرمة عليه فحينئذ يتم المطلوب لكنّه مبتل بالاشكال المتقدم من أنه تحتمل إرادة حرمة الإفراغ في الزنا لشدة التعبير في الرواية علي أنه إذا جاء الإحتمال بطل الاستدلال
وأما سند الرواية: ففي سند الخصال قاسم بن محمد المعروف بكاسولا الذي لم يوثق وقال فیه النجاشي: لم يكن بالمرضي[73] لكن قد يقال بوثاقته لرواية الأجلاء عنه و روايته عنهم وأما رواية سليمان بن داوود عن غير واحد من أصحابنا لاتضر إذ بعيد أن يكون جميعهم غير ثقاة وأما في الفقيه قد نقلت بنحو الإرسال وقد مرّ إعتبار مراسيل الصدوق قدس سره الشريف ما فيه إسناد قطعي من قبله[74]
الوجه السابع: ما رواه محمد بن يعقوب رحمه الله تعالي عن محمد بن يحيي عن محمد بن أحمد، عن أبي عبد الله الرازي، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبي عبد الله المؤمن، عن إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الزنى أشر أو شرب الخمر وكيف صار في الخمر ثمانين وفي الزنى مائة؟ فقال: يا إسحاق الحد واحد ولكن زيد هذا لتضييعه النطفة ولوضعه إياها في غير موضعها الذي أمره الله عز وجل به.[75]
و رواه الشيخ رحمه الله تعالي بإسناده عن محمد بن أحمد مثله[76] وكذا رواه الصدوق أعلي الله مقامه
الشريف في الفقيه[77] و علل الشرايع مثله [78]
بيان الدلالة: الظاهرأن عبارة (لتضييعه النطفة)، مطلق يفسرها عبارة (ولوضعه ...) والظاهر أن المراد من الفقرة الأخيرة، ليس حرمة مطلق الوضع في غير الرحم المحلل له لأن مطلق الوضع في غيره لايوجب إزدياد الحدّ كما لا يكون حراماً في فتوي المتأخرين فيتبين أن المراد من التضييع ليس مطلق التضييع فلا يدل الحديث علي حرمة العزل في نكاح الزوجة كما ذكره غير واحد
إذا عرفت هذا فيمكن أن يقال إن الحديث يدل علي حرمة وضع النطفة في غير الموضع الذی جاز فیه مطلقاً سواءً حصل بالجماع أو غيره وأما إضافة الوضع إلي الضمير لاتدلّ علي إختصاص الحرمة بما إذا وضع الرجل نفسه نطفته و عدم شمولها لما إذا قام بهذا الأمر غيره أو جهاز نظراً إلي أنه لايصدق وضع الرجل إذا وضع الغير أو الجهاز[79] لأن الوضع مطلق يشمل وضع الرجل نطفته بالمقاربة أو بغيرها وحينئذ نلغي الخصوصية عن وضع الرجل بغير المقاربة إذ لا خصوصية فيه.
نعم مورد الحديث الزنا وعلّل الإمام عليه الصلوة والسلام زيادة الحدّ بالتضييع الذي فعله الزاني فيحتمل أن يكون المراد حرمة وضع النطفة في غير موضعها الذي أمرالله عز وجل به، في الزنا لا مطلقاً لإحتمال قرينية الموجود فلا تتم الدلالة
ثم الظاهر أن المراد من النطفة ماء الرجل كما تقدم في الحديث الأول
هذا في الدلالة وأما السند ضعيف.
الوجه الثامن: روي أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي في الاحتجاج: عن أبي عبد الله عليه الصلوة السلام- في حديث- ان زنديقا قال له: لم حرم الله إتيان البهائم؟ قال: كره أن يضيع الرجل ماءه ويأتي غير شكله ولو أباح الله ذلك لربط كل رجل اتاناً يركب ظهرها ويغشي فرجها وكان يكون في ذلك فساد كثير فأباح الله ظهورها وحرم عليهم فروجها وخلق للرجال النساء ليأنسوا ويسكنوا إليهن ويكن موضع شهواتهم وأمهات أولادهم.[80]
والظاهر أن مطلق التضييع ليس بحرام كما تشهد به روايات جواز العزل، فالمراد هو تضييع الماء بوضعه في غير محله فيشمل ما نحن فيه.
وفيه أن الظاهر من الحديث الشريف حرمة تضييع الماء بالإتيان و النكاح في غير شكله لا مطلق التضييع ولو من دون نكاح والسند ضعيف أيضاً
الوجه التاسع: صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا جمع الرجل أربعاً وطلق إحداهن فلا يتزوج الخامسة حتى تنقضي عدة المرأة التي طلق وقال: لا يجمع ماءه في خمس.[81]
وقد يقرب الإستدلال بها بأن النهي عن جعل النطفة في الأكثر من أربعة نساء، لأجل حرمة التزويج بالأكثر فهو تعبير آخر عن عدم جواز جعل النطفة في غير من تحل له من الأزواج وإذا لم يجز جعل ماء الرجل في الخامسة لأجل حرمة نكاحها عليه فلم يجز جعل نطفة الأجنبي في رحم الأجنبية إذ يحرم علیه نكاحها.
وهذا التعبير في الرواية وإن كان كناية عن عدم صحة النكاح بالخامسة إلاّ أنّ صحة الكناية فرع كون المكنّي به مفروغاً عنه محققاً [82]
أقول: ويؤيده خبر محمد بن مسعود العياشي رحمه الله تعالي في (تفسيره) عن منصور بن حازم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا يحل لماء الرجل أن يجري في أكثر من أربعة أرحام من الحرائر.[83]
وخبر الفضل بن الحسن الطبرسي رحمه الله تعالي في (مجمع البيان) قال: قال الصادق (عليه السلام): لا يحل لماء الرجل أن يجري في أكثر من أربعة أرحام.[84]
لا يقال: إن الرواية تدلّ علي حرمة إدخال ماء الرجل في رحم الأجنبية ولكن هذا أجنبي عما نحن فيه لأن في التلقيح الصناعي لا يجعل ماء الرجل في رحم الاجنبية بل يؤخذ من مائه جزء صغير منه يقال له في الطب: (إسپرم)، ويجعل في رحمها ولا شك في عدم صدق الماء عليه فلا تدلّ الرواية الشريفة علي حرمة جعله في الرحم.[85]
فإنه يقال: لايري العرف فرقاً بينهما ولا يري خصوصية في الماء فيلغي الخصوصية عن الماء ويرّتب الحكم علی الجزء الصغیر و إن لم یطلق علیه الماء.
بل يمكن أن يقال إن المتفاهم العرفي من كلمة (الماء) أو (النطفة) ما يستعمل في التلقيح و من شأنه التلقيح، فيشمل ذلك الجزء الصغير من المني أيضاً أی یراه العرف فرداً من النطفة.
بل يظهر هذا من بعض الروايات ففي صحيحة رفاعة عن أبي عبدالله عليه الصلوة والسلام قال: (إن النطفة إذا وقعت في الرحم تصير إلى علقة، ثم إلى مضغة، ثم إلى ما شاء الله، وإن النطفة إذا وقعت في غير الرحم لم يخلق منها شئ).[86] فالمعلوم أن ما تصير إلي علقة ليس إلا ذلك الجزء الصغير فتأمل
الوجه العاشر: الروايات الواردة في حكمة تشريع حرمة الزنا.
مثل ما رواه الشيخ الصدوق رحمه الله تعالي باسناده عن محمد بن سنان، عن الرضا عليه السلام فيما كتب إليه من جواب مسائله: (وحرم الزنا لما فيه من الفساد من قتل النفس، وذهاب الأنساب، وترك التربية للأطفال، وفساد المواريث، وما أشبه ذلك من وجوه الفساد) [87]
وما رواه محمد بن علي بن الحسين (ره) في (العلل) و (عيون الأخبار) بأسانيده عن محمد بن سنان، عن الرضا (عليه السلام) فيما كتب إليه: (وعلة ضرب القاذف، وشارب الخمر ثمانين جلدة، لان في القذف نفي الولد، وقطع النسل، وذهاب النسب، وكذلك شارب الخمر، لأنه إذا شرب هذى، وإذا هذى، افترى، فوجب عليه حد المفتري).[88]
ومثل مارواه الطبرسي رحمه الله تعالی في الإحتجاج عن أبی عبدالله علیه الصلاة و السلام فی حدیث أن زندیقاً قال له لم حرم الله الزنا قال: لما فیه من الفساد و ذهاب المواریث و انقطاع الأنساب الحدیث. [89]
فكل ما تتحقق فيه هذه المحذورات من نفي الولد وقطع النسل وذهاب النسب يحرم بحكم الروايات
إن قلت: حفظ الأنساب حكمة لا علة فلا يدور مدارها الحكم.
قلت: لا ملازمة بين عدم وجود الحكمة وعدم الحكم لكن يلازم وجودها وجود الحكم فلا تقصر الحكمة عن العلة في موارد ثبوتها، كما نبّه عليه بعض الأعاظم دام ظله [90]
فعلي هذا لو لزم هذا المحذور في بعض صور تلقيح نطفة الأجنبي حرم التلقيح بحكم هذه الروايات مثل التلقيح من النطف الموجودة في البنوك المعدة للمني لو لم تعرف المرأة صاحب المني.
والتحقيق أنّ الحكمة ليست إلاّ المقتضي ففي صورة وجودها يمكن أن يمنع عنها مانع ولايترتب الحكم فلا يدور مدارها الحكم لا وجوداً ولا عدماً وحيث لا نعلم بوجود المانع وعدمه لا يمكننا القول بترتب الحكم، بخلاف صورة تمامية العلة مثل الزنا فحينئذ نعلم بعدم تأثيرالمانع
نعم لو قلنا بأن العرف يستفاد من مطاوي روايات مختلفة مثل ماورد في وجوب رعاية العدة[91]و وجوب إستبراء الأمة علي المشتري وتحريم الوطي في الفرج خاصة في مدة الإستبراء[92]وعدم وجوب الإستبراء وسقوطه عمن إشتري جارية صغيرة لم تبلغ[93]و سقوط الإستبراء عمن إشتري جارية من ثقة وأخبر بإستبرائها[94]وعمن إشتراها من إمرأة[95]، أن الملاك في هذه الأحكام هوالإحتزار عن ذهاب الانساب و اختلاطها، أمكن القول بسراية الحرمة إلي كل ما یتحقق فيه هذا المحذور، لكن المسألة محتاجة إلي التأمل التام في الروايات و ملاحظة کل ما یمکن أن یکون دخیلاً فی المسألة حتی یحصل الاطمینان بکونه ملاکاً لهذه الأحکام.
الوجه الحاديعشر: إرتكاز المتشرعة علي حرمته وقبحه
يرتكز في أذهان المتشرعين أن إدخال نطفة الأجنبي في رحم الأجنبية من دون المقاربة من القبائح التي لايرضي بها الشارع المقدس ولا يجوّزها، خصوصاً بعض مواردها كإدخال ماء الإبن في الأم أو حفظ ماء الأجنبي في البنوك لإدخاله في أرحام الأجنبيات من دون أن يعرفها صاحب المني و تعرفه
وهذا الارتکاز كان یذکره بعض الأعاظم قدس الله تعالي نفسه الزكية و أعلي الله تعالي مقامه الشريف وكان يعدّه من الأدلة ولعلّ المقصود منه علي ما إستفاده بعض الأساتذة الكرام من کلامه، ما هو المعلوم للمتشرعة من مذاق الشريعة فی موضوع المستفاد من كلماته وأفعاله وتقاريره في موارد مختلفة وإن لم يوجد في هذا المورد الخاص نص خاص دال علي الحكم، ولذا كان ينقل عن كاشف الغطاء قدس سره الشريف قوله من أن تلامذة أبي حنيفة يعرفون رأي أستاذهم [مع قلة الأحاديث عنه]، أفلا نعرف رأي مولينا الإمام الصادق عليه الصلاة والسلام؟
الوجه الثاني عشر: إصالة الإحتياط في الفروج
قد نقل إشتهار وجوب الإحتياط في الفروج[96]، كما يظهر القول بالوجوب من كلمات بعضهم رضوان الله تعالي عليهم و قد يستدل عليه ببعض الروايات، والعمدة ملاحظة الروايات
الرواية الأولي: محمد بن الحسن رحمه الله تعالي بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن محمد بن أبي حمزة، عن شعيب الحداد قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل من مواليك يقرؤك السلام وقد أراد أن يتزوج امرأة وقد وافقته وأعجبه بعض شأنها ، وقد كان لها زوج فطلقها على غير السنة، وقد كره أن يقدم على تزويجها حتى يستأمرك فتكون أنت تأمره، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): هو الفرج، وأمر الفرج شديد، ومنه يكون الولد، ونحن نحتاط فلا يتزوجها.[97]
بيان الإستدلال: تدل الفقرة الإخيرة من الرواية علي وجوب الإحتياط في الفروج و بها نخصص الأدلة الدالة علي جريان البرائة.
والتحقيق أن الشبهة المذكورة في الرواية إن كانت مورداً لقاعدة الإلزام التي تدلّ علي صحة الطلاق الذي وقع بواسطة المخالفين علي غير السنة، كما هو ظاهر الرواية فلم يكن الإحتياط فيها واجباً، وإن لم تكن مورداً لها فالطلاق باطل ولا معني للإحتياط في المسألة
نعم يمكن أن يقال إن الفقرة الأخيرة فارغاً عن تطبيقها علي مورد السؤال وعدمه وعن كونها بصدد بيان حكم المسألة بلسان الإحتياط تقية منهم أم لا، تدلّ علي كبري هي وجوب الإحتياط في الفروج، إذ لا مانع من كون أصل الكبري وجوبياً وتطبیقها علي مورد إستحبابياً، و بيان حكم المسألة بلسان الإحتياط تقية منهم لا يوجب كون الأمر بالأحتياط غير واقعي
وفيه أن الفقرة الأخيرة و إن تضمنت الکبری أمّا إستفادة الوجوب منها مشكل إذ نسب الإمام عليه الصلاة والسلام الإحتياط إلي نفسه الشريفة فلا يدلّ علي وجوب الإحتياط بل يناسب مع الندب أيضاً.
وقد ذكر بعض الأساتيذ الكرام کثیراً مما ذکرناه فی الروایة وإستفدت منه.[98]
الرواية الثانية: محمد بن علي بن الحسين رحمه الله تعالي بإسناده عن العلاء بن سيابة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن امرأة وكلت رجلا بأن يزوجها من رجل فقبل الوكالة فأشهدت له بذلك، فذهب الوكيل فزوجها ثم إنها أنكرت ذلك الوكيل، وزعمت أنها عزلته عن الوكالة فأقامت شاهدين أنها عزلته، فقال: ما يقول من قبلكم في ذلك؟ قال قلت: يقولون: ينظر في ذلك فإن كانت عزلته قبل أن يزوج فالوكالة باطلة والتزويج باطل، وإن عزلته وقد زوجها فالتزويج ثابت على ما زوج الوكيل، وعلى ما أنفق معها من الوكالة إذا لم يتعد شيئا مما أمرت به واشترطت عليه في الوكالة، قال: ثم قال: يعزلون الوكيل عن وكالتها ولم تعلمه بالعزل؟ قلت: نعم يزعمون أنها لو وكلت رجلا وأشهدت في الملأ وقالت في الملأ: اشهدوا اني قد عزلته، أبطلت وكالته بلا أن يعلم في العزل، وينقضون جميع ما فعل الوكيل في النكاح خاصة وفي غيره لا يبطلون الوكالة إلا أن يعلم الوكيل بالعزل، ويقولون: المال منه عوض لصاحبه والفرج ليس منه عوض إذا وقع منه ولد فقال (عليه السلام)، سبحان الله ما أجور هذا الحكم وأفسده إن النكاح أحرى وأحرى أن يحتاط فيه وهو فرج، ومنه يكون الولد إنّ علياً (عليه السلام) أتته امرأة تستعديه على أخيها فقالت: يا أمير المؤمنين إني وكلت أخي هذا بأن يزوجني رجلا وأشهدت له ثم عزلته من ساعته تلك، فذهب فزوجني ولي بينة أني قد عزلته قبل أن يزوجني، فأقامت البينة، فقال الأخ: يا أمير المؤمنين إنها وكلتني ولم تعلمني أنها عزلتني عن الوكالة حتى زوجتها كما أمرتني، فقال لها: ما تقولين؟ قالت: قد أعلمته يا أمير المؤمنين، فقال لها: ألك بينه بذلك؟ فقالت: هؤلاء شهودي يشهدون، قال لهم: ما تقولون؟ فقالوا: نشهد أنها قالت: اشهدوا أني قد عزلت أخي فلانا عن الوكالة بتزويجي فلانا وإني مالكة لأمري قبل أن يزوجني، فقال: أشهدتكم على ذلك بعلم منه ومحضر؟ فقالوا: لا، فقال: تشهدون أنها أعلمته بالعزل كما أعلمته الوكالة؟ قالوا: لا، قال: أرى الوكالة ثابتة ، والنكاح واقعا، أين الزوج؟ فجاء فقال: خذ بيدها بارك الله لك فيها، فقالت: يا أمير المؤمنين احلفه أني لم أعلمه العزل ولم يعلم بعزلي إياه قبل النكاح، قال: وتحلف؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، فحلف فأثبت وكالته وأجاز النكاح [99]
والرواية معتبرة كسابقها وقد إختلف في معناها ونحن نأتي بكلامين من علمين في معني هذه الرواية الشريفة یبدوا فی النظر أنهما أدق من المعانی المذکورة التی ظفرنابها
قال المحقق الإمام الخميني قدس سره الشريف وأعلي الله تعالي مقامه: أنت خبير بأن حكم العامة بفساد الوكالة في النكاح قبل وصول العزل، وعدم فسادها في غيره، لم يكن لأجل الاحتياط على ما يستفاد من الرواية، بل لأجل استحسان أن الفرج ليس له عوض، والمال له عوض، فلا وجه لجعل قول الإمام (عليه السلام): « إن النكاح أحرى أن يحتاط فيه» رداً عليهم من هذه الجهة. بل الظاهر أن مراده أنه إذا لم يكن في مثل الوكالة المذكورة نص، لا يصح الحكم بالاستحسان والاجتهاد، بل لا بد من الاحتياط، لا الحكم بالصحة ولا الفساد، ولم يذكر طريق الاحتياط، فإنه إما بتجديد النكاح، أو بالطلاق. فالمراد أن النكاح حري بالاحتياط، أو أحرى من كل شئ بالاحتياط، ولهذا ذكر قضاء علي (عليه السلام); رداً عليهم بأن اجتهادهم باطل، بل لا بد من الحكم بالصحة لقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): « إن عليا (عليه السلام) أقضاكم[100]» انتهی [101]
ولعمري يظهر بالتأمل أن هذا المعني هو ظاهر الرواية لا المعاني الأخري التي ذكرت في الرواية الشريفة، فجزي الله صاحب هذا الكلام و سائر العلماء عن الإسلام خير الجزاء.
وقريب من هذا ما نقل عن المحقق السيد الخوئي قدس الله تعالي نفسه الزكية في مصباح الفقاهة فقال: والتحقيق أن الرواية أجنبية عما أفاده المصنف، وأن كلام القوم غير مبني على الاحتياط، لا في البيع ولا في النكاح، لا من حيث الفتوى ولا من حيث العمل، بل الرواية ناظرة إلى جهة أخرى غير ما يرومه المصنف، وبيان ذلك: إن حكم هؤلاء بصحة البيع مع الجهل بعزل الوكيل وإن كان موافقا للواقع ولكنه حرام، لأنهم لم يستندوا فيه إلى الاحتياط لكي يجيب عنه الإمام (عليه السلام) بأن النكاح أولى وأجدر بالاحتياط فيكون أولى بالصحة، بل استندوا في ذلك إلى الاستحسان الذي يقتضي الصحة في البيع والبطلان في النكاح. ولا ريب أن الاستناد إلى الاستحسان في مقام الفتوى حرام، لأنه فتوى بلا علم ولا هدى من الله ولا كتاب منير، ومن الواضح أن الفتوى بلا علم حرام بالأدلة الأربعة، هذا من حيث الفتوى، أما من حيث العمل فلا شبهة في أن حكمهم بصحة البيع لا يوافق الواقع دائما حتى [یکون] موافقا للاحتياط، بل البيع مردد بين وقوعه وعدم وقوعه، وحينئذ فأمره دائر بين المحذورين فلا احتياط في البين، وهكذا الحال في النكاح أيضا طابق النعل بالنعل، ضرورة أن حكمهم ببطلانه غير مبني على الاحتياط، بل إنما هو مبني على الاستحسان. وعليه فحكمهم ببطلانه حرام لكونه فتوى بلا علم، وأنه في نفسه إما واقع أو غير واقع فيكون في مقام العمل من صغريات دوران الأمر بين المحذورين لا من موارد الاحتياط، نعم یمکن الاحتیاط فی النکاح بانحاء شتی: الف: طلاق المرأة ... ب: اجراء العقد علیها ثانیاً، ج: الإجازة مع عدم ردالمرأة العقد الذی أوقعه الوکیل مع الجهل بالعزل. وأما معنى الخبر، فغرض الإمام (عليه السلام) منه - والله العالم - إنما هو الرد على هؤلاء القوم الذين أفتوا بصحة البيع وبطلان النكاح الفضوليين مستندين في ذلك إلى الاستحسان ........ فالإمام (عليه السلام) قد ردّ على هؤلاء حيث لم يحتاطوا في الماليات وأفتوا بصحة البيع الفضولي، واستندوا في رأيهم هذا إلى الاستحسان، ولم يرجعوا فيه إلى أهله، ولم يمتنعوا عن الحكم فيه، وإن كان رأيهم موافقا للواقع، ولم يحتاطوا في الأعراض أيضا، حيث أفتوا ببطلان النكاح الفضولي، مع أن النكاح من مهمات ما يتوقف عليه نظام الدين والدنيا. وكان الاحتياط فيه أجدر وأحرى، لأن تركه ربما يوجب التفريق بين الزوجين والزنا بذات البعل، ويكون ذلك وسيلة إلى تولد الفراعنة والجبارة، فيفسدون في الأرض ويسفكون الدماء ، وقد أشار الإمام (عليه السلام) إلى خطائهم وبطلان استحسانهم بقوله (عليه السلام): ما أجور هذا الحكم وأفسد فإن النكاح أولى وأجدر أن يحتاط فيه. وعلى الجملة أن الإمام (عليه السلام) وبخهم ووجه الازلاء عليهم من جهة اقدامهم على الفتوى بلا دليل شرعي وعدم سكوتهم فيما لا بد من التوقف فيه، مع أن الاحتياط كان مقتضيا للسكوت، فقد اتضح لك مما بيناه أن الرواية بعيدة عن المعنى الذي ذكره المصنف انتهی.[102]
ثم لا یخفی أن الحدیث الشریف ظاهر فی وجوب الاحتیاط فی النکاح و وجهه ذکر قوله علیه الصلاة و السلام: (ما أجور هذا الحکم و أفسده)، فان ذکره قبل قوله علیه الصلاة و السلام (ان النکاح أحری و أحری أن یحتاط فیه) ظاهر فی وجوب الاحتیاط فی النکاح کما أشار الیه بعض المحققین قدس سره الشریف و لایناسب التوبیخ بهذه العبارة مع حسن الاحتیاط.
فدلالة الحديث علي وجوب الإحتياط في الفروج تامة غير أنه نخرج منه في الشبهات الموضوعية خاصة مطلقاً أو مع التفصيل في بعض الصور، لوجود النص الدال علي عدم وجوبه فیها.
ثم إنّ قوله عليه الصلاة والسلام: (وهو فرج ومنه يكون الولد) علة للزوم الإحتياط وهومطلق يشمل التلقيح بالطريق المتعارف أي المواقعة والتلقيح بإدخال ماء الرجل باليد أو بالأنبوبة أو غيرهما في رحم المرأة من طريق الفرج أو في الرحم مباشرة و بواسطة إيجاد المنفذ فيه إذ في الصورة الأخيرة تحصل ماء الرجل من فرجه أیضاً، فیصدق أن یقال: (و هو فرج و منه یکون الولد)، و ان لم یصدق قلنا لایری العرف خصوصیة فی ادخال الماء فی رحمها بالانبوبة من طریق الفرج فیری الاحتیاط شاملاً للادخال من طریق الرحم مباشرة وإدعاء إنصراف الإطلاق إلي المواقعة ممنوع لأنه ناشئ من غلبة الوجود، فيجب الإحتياط في جميع هذه الموارد.
نعم إن القدر المتيقن من الإحتياط في الفروج هو الموارد التي يحصل الشك في حکم الفروج لإجل الشك في صحة عقد النكاح، لأن الملاك و إن كان قوله عليه الصلاة والسلام: (وهوفرج ومنه يكون الولد)، لكن ذكر قبله: (إن النكاح أحري وأحري أن يحتاط فيه) أي عقد النكاح، وهو يحتمل أن يكون قرينة لهذه الكبري، فلا يثبت وجوب الإحتياط فيما لو شك في حكم أمر مربوط بالفرج و الولد منه بعد فرض عدم الشك في صحة النكاح
فالحاصل: انه لابد من الحكم بعدم جواز التلقيح بإدخال ماء الأجنبي في رحم الأجنبية من دون المجامعة خصوصاً فی بعض صور هذه المسأله کإدخال ماء الإبن فی رحم الأم، بحكم صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم وإرتكاز المتشرعة والإحتياط، سواء أدخل من طريق الفرج أو مباشرة ومن غير طريق الفرج، لشمول الأدلة لهما، بل لا ينبغي ترك الإحتياط لو نوقش في جميع الأدلة لأن الأمر أمر شديد وإحتمال منع الشارع كثير.
ثم إنّ الظاهر عدم جواز هذه الصورة من التلقيح للمرأة كالرجل لأن صحيحة زرارة ومحمدبن مسلم دالة علي حرمة الفعل عليهما لو قرئ (ولا يجمع) مبنياً للمفعول، وأما لو قرئ مبنياً للفاعل فلا تدلّ علي الحرمة علي المرأة إلاّ أن يقال بأن المتفاهم العرفي منه مبغوضیة اجتماع مائه فی خمس و حرمة التمکین علی المرأة کما یحرم الأفراغ علی الرجل و هو الأقوی وكذا يدلّ الإرتكاز والإحتياط علي عدم جواز دخول مائه فی رحمها فیحرم الافراغ و التمکین، علي أنه لو قلنا بأنه لايحرم إلاّ علي الرجل ففعل المرأة حرام أيضاّ لأنه تعاون علي الحرام كما ذكر بعض الأعاظم قدس سره الشريف.[103]
الصورة السادسة: تزريق بويضة إمرأة في رحم أمرأة عقيمة ثم وقاع زوجها معها حتي تحبل
والظاهر أنه لا يجوز، بدليل وجوب الإحتياط في الفروج وأما صحيحة زراره ومحمد بن مسلم لا تدلّ عليه لأنها تدلّ علي حرمة إدخال نطفة الرجل في رحم الأجنبية لا حرمة التلقيح بين بويضة الأجنبية ونطفة الأجنبي ولايمكن القول بأنه في صورة إدخال الماء في رحم الأجنبية تحبل الأجنبية بتلقيح بويضتها بماء الأجنبي فنلغي الخصوصية عنه و نقول بحرمة تلقيحها بماء الأجنبي خارج رحم الأجنبية، إذ يمكن أن تكون في التلقيح في رحم الأجنبية خصوصية توجب الحرمة ولا توجد في التلقيح خارجه و أما دلالة ارتکاز المتشرعه علی عدم جوازه مشکوک فیها.
الصورة السابعة و الثامنة والتاسعة: التلقيح بين بويضة المرأة ونطفة الأجنبي خارج الرحم ثم زرع النطفة الملّقحة إما في رحم هذه المرأة أو في رحم أمرأة أخري تحل عليه أو تحرم عليه
والظاهر عدم جوازها كلها أما في الأول والثالث يدل عليه الإرتكاز وأصالة الإحتياط في الفروج وأما صحيحة زرارة و محمد بن مسلم موضوعها ماء الرجل ولا يصدق علي المنعقدة من ماء الرجل و بويضة المرأة إذ يتبدلّ بعد التلقيح بشیء آخر لأنه بالتلقيح تتولد في البويضة نواتين، ثم يتبدل ما في البويضة بعد ساعات بسلولين ثم يتكثرا، ثم ينتقل إلي الرحم[104] فلا يصدق عليه ماء الرجل، نعم يمكن أن يقال بأن العرف لا يري خصوصية في إدخال الماء غير الملّقح في رحم الأجنبیة ولا يري فرقاً بينه و بين إدخال النطفة الملّقحة من ماء الرجل و بویضة الأجنبیة خارج الرحم في رحم الأجنبیة سواء کانت صاحب البویضة أم لا علی تأمل.
وأما إدعاء إنصراف الخبر الذي يدلّ علي حرمة إدخال النطفة في رحم الأجنبية إلي ما إذا كان الرحم طرفاً لإنعقاد النطفة بحيث كان إنعقادها ببويضته فلا يشمل ما لو كان الرحم لا شأن له إلا كونه وعاءً مناسباً[105] فممنوع أو مشكوك فيه، لأنه ناشئ من غلبة الوجود أو شدته أو يحتمل أن يكون ناشئاً منها أوناشئ من فرض الموضوع عقد النطفة فی رحمها
و أما فی الثانی تدل علیه أصالة الإحتیاط فی الفروج و لعل الارتکاز.
الصورة العاشرة: التلقيح بين بويضة المرأة ونطفة الأجنبي خارج الرحم وإبقاء الملقحة خارج الرحم إلي زمان التولد
وهو أيضاَ غير جائز بحكم الإحتياط في الفروج و لعله یدل علیه الارتکاز
هذه هی أهم اقسام التلقیح الصناعی و یظهر حکم سائر الأقسام بالتأمل فی ما ذکرناه انشاء الله تعالی.
والحمد لله أولاً و آخراً، 26 من ذی القعدة الحرام، سنة 1430 من الهجرة االنیویة علی مهاجرها و آله افضل صلوات الله و سلامه.
منابع
[1] - الخصال ، الشيخ الصدوق قدس سره ، ص 615-614
[2] - الكافي ج 6 ص 2 باب فضل الولد
[3] - الخرائج والجرائح ، قطب الدين الراوندي ج 2 ص 920
[4] - راجع إلي الوجه الثاني عشر للصورة الخامسة ، الحديث الثاني
[5] - النور 31
[6] - بررسی رحم جايگزين از منظر پزشکی، حقوقی، فقهی ... رسالة الرحم البديل من منظار فقهي ، آية الله القائني ص 6-75
[7] - قد أشار بعض الأفاضل إلي معني قريب من هذا في رسالته المطبوعة في مجموعة : ( اهدای گامت وجنین در درمان ناباروری ، الصفحة الرقم 133
[8] - بررسی رحم جايگزين از منظر پزشکی، حقوقی و فقهی، رسالة الرحم البديل من منظار فقهي ، آية الله القائني ص 77
[9] - وسائل الشيعة ، الباب 3 من أبواب نكاح البهائم ووطئ الأموات والإستمناء الحديث 4 ج 28 ص 364
[10] - وسائل الشيعة ، الباب 2 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه ، الحديث 1 ج 15 ص 166
[11] - دعائم الإسلام ج 1 ص 7-6 و مستدرك الوسائل ج 1 ص 245 الرقم 489 /3
[12] - وسائل الشيعة ، الباب 1 من أبواب أحكام الخلوة الحديث 5 ج 1 ص 300
[13] - الفقيه ج 2 ص 7-626 ، باب الفروض علي الجوارح الرقم 3215 و وسائل الشيعة ، الباب 2 من أبواب جهاد النفس ومايناسبه الحديث 7 ، ج 15 ص 170- 169
[14] - الفقيه ج 1 ص 114 باب آداب دخول الحمام والدعاء له الرقم 235 تصحيح وتعليق : علي أكبر الغفاري رحمه الله تعالي و وسائل الشيعة ، الباب 1 من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث 3 ج 1 ص 300
[15] - تفسير القمي رحمه الله تعالي ج 2 ص 101 مطبعة النجف منشورات مكتبة الهدي
[16]- کتاب الصلاه، تقریر بحث النائینی قدس سره للکاظمی(ره)، ج 2، ص 262، کتاب البیع، الامام الخمینی قدس سره الشریف، ج 2، ص 628.
[17] هذا الکلام مأخوذ من بعض الأساتید دام ظله.
[18] - بررسی رحم جايگزين از منظر پزشکی ... ، مركز تحقيق وتوسعه علوم انساني (سمت) ، رسالة الرحم البديل من منظار فقهي ص 78-77
[19] - المؤمنون 7- 5 ، المعارج 31-29
[20] - الأحزاب 35
[21] - التلقيح الصناعي ، آية الله محمد جواد الفاضل اللنكراني ص 105
[22] - كلمات سديدة، آیت الله المؤمن القمی، الشیخ محمد، ص86
[23] - وسائل الشيعة ، الباب 3 من أبواب نكاح البهائم ووطئ الأموات والإستمناء الحديث 4 ج 28 ص 364
[24] - التلقيح الصناعي ، آية الله الفاضل اللنكراني ، محمد جواد ، ص 109- 101
[25] - تفسير الميزان ج 15 ص10 منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية ، قم المقدسة
[26] - نفس المصدر
[27] - النساء 23
[28] - كلمات سديده، آیت الله المومن الشیخ محمد ص 86 ورسالة ( تلقيح مصنوعي ) لآية الله الحرم پناهی المطبوعة فی مجلة فقه اهل البیت علیهم الصلاة و السلام الرقم 9 والتلقیح الصناعی ص 114- 113
[29] - الأعراف 33
[30] - الأنعام 151
[31] - الصحاح ج 3 ص 1014
[32] - المعجم ج 4 ص 478
[33] - لسان العرب ج 6 ص 325
[34] - القاموس المحيط ج 2 ص 282
[35] - تاج العروس ج 9 ص 157
[36] - المفردات ص 374
[37] - النجم 32
[38] - وسائل الشيعة الباب 46 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه ، الحديث 11 ج 15 ص 323
[39] - وسائل الشيعة ، الباب 2 من أبواب مايحرم بالمصاهرة ونحوها الحديث 7 ج 20 ص 414
[40] - نفس المصدر الحديث 8
[41] - مثل ماورد في وسائل الشيعة ، الباب 12 من أبواب مايحرم بالمصاهرة ونحوها ، الحديث 5 ج 20 ص 437
[42] - الكافي ج 5 باب الزاني من كتاب النكاح الحديث 1 ص541 و وسائل الشيعه ( آل البيت عليهم الصلاة والسلام ) الباب 4 من أبواب النكاح المحرم ، الحديث 1 ج 20 ص317
[43]- تعليقة علي منهج المنقال . الوحيد البهبهاني قدس سره ص 253
[44] - عدة الأصول للشيخ الطوسي قدس سره ج1 ص 150
[45]- خاتمة المستدرک، المحدث النوری، ج 4، ص 468
[46]- نفس المصدر
[47] - عدة الأصول، الشیخ الطوسی قدس سره، ج 1، ص 150.
- [48] خاتمة المستدرك للمحدث النوري قدس سره ج4 ص 9-468 نشر مؤسسة آل البيت لاحياء التراث
[49] - نفس المصدر
[50] - عدة الأصول ج 1 ص 154
[51] - رجال الكشي ص 404 رقم 756
[52] - رجال الكشي ص552 رقم 1042
[53] - التحرير الطاووسي ص354 نشر مكتبة آية الله العظمي المرعشي النجفي قدس سره سنة 1411
[54] - معجم رجال الحديث ج12ص247 ذيل ترجمة علي بن أبي حمزه
[55] - رجال الكشي ص 403 الرقم 755 وص444 الرقم 834 وفي الأخير أضاف : قال روي أصحابنا .....
[56] - رجال الكشي ص 444 الرقم 834
[57] - وسائل الشيعة ، الباب 13 من ابواب القنوت الحديث 3 ج 6 ص 284
[58] - الحدائق الناظرة ج 5 ص 190
[59] - وسائل الشيعة نفس المصدر
[60] - مشرق الشمسين ص 274
[61] - روضة المتقين، ج 9، ص 441.
[62] - المسائل المستحدثة آية الله السيد محمد صادق الروحاني نشر موسسة دار الكتاب، ص 9.
[63] - التلقيح الصناعي، آية الله محمد جواد الفاضل اللنكراني ص77
[64] - كلمات سديدة لآية الله المومن دام ظله ص81
[65] - نفس المصدر المذكور ص 84
[66] - الصحاح ج 4 ص1434
[67] - لسان العرب ج 9 ص 335
[68] - وسائل الشيعة ( آل البيت عليهم الصلوة والسلام ) ، الباب 13 من أبواب الجنابة الحديث 3 ج 2 ص 202
[69] - وسائل الشيعة ، الباب 33 من أبواب الحيض الحديث 1 ج 2 ص 338
[70] - مثل ماورد في الوسائل الباب 68 من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2 ج 20 ص 135
[71] - وسائل الشيعة الباب 4 من أبواب النكاح المحرم الحديث 2 ج 20 ص 318 ، الفقيه ج 4 ص 20 الرقم 4977 ، الخصال الحديث109 ص 120
[72] - كلمات سديده آية الله المومن ص83
[73] - رجال النجاشي ص 315 نشر موسسة النشر الاسلامي
[74] - راجع إلي ذيل الوجه الأول لهذه الصورة
[75] - الكافي كتاب الحدود باب النوادر الحديث 12ج 7 ص 262 و وسائل الشيعة ، الباب 28 من أبواب النكاح المحرم الحديث 4 ج 20 ص352 مع تفاوت في بعض الكلمات
[76]- تهذيب الأحكام ج 10 ص 99 الحديث (383) 40 مع تفا وت في بعض التعابير
[77] - الفقيه ج 4 ص 38 الحديث 5033 مع تفاوت في بعض الكلمات
[78] - علل الشرايع ج 2 باب 331 الحديث 1 ص 543 مع تفاوت في بعض الكلمات
[79] - التلقيح الصناعي ، آية الفاضل اللنكراني ، محمد جواد ص89
[80] - وسائل الشيعة الباب 26 من أبواب النكاح المحرم الحديث 5 ج 20 ص 350
[81] - وسائل الشيعة الباب 2 من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ، الحديث 1 ج 20 ص 518
[82] - بررسی رحم جايگزين از منظر پزشکی ... ، مركزتحقيق وتوسعه علوم انساني ( سمت ) ، رسالة الرحم البديل من منظار فقهي ، آية الله القائني ص 88
[83] - وسائل الشيعة الباب 2 من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ، الحديث 4 ج 20 ص 519
[84] - وسائل الشيعة ، الباب 1 من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد الحديث 3 ج 20 ص 518
[85] - مجلة فقه اهل البیت علیهم الصلاة و السلام (باروريهاي مصنوعي وحكم فقهي آن) ، آية الله محمد اليزدي
[86] - وسائل الشيعة ، الباب 33 من أبواب الحيض الحديث 1 ج 2 ص 338
[87] - وسائل الشيعة ، الباب 1 من أبواب النكاح المحرم وما يناسبه ، الحديث 15 ج 20 ص 311
[88] - وسائل الشيعة الباب 2 من أبواب حد القذف الحديث 4 ج 28 ص178
[89] - وسائل الشيعة الباب17 من أبواب النكاح المحرم الحديث 12 ج 20 ص 332
[90] - كلمات سديدة ص 88
[91] - وسائل الشيعة الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ج 20 ص 449
[92] - وسائل الشيعة الباب 2 من أبواب نكاح العبيد والإماء ج 21 ص 82
[93] - وسائل الشيعة الباب 3 من أبواب نكاح العبيد والإماء ج 21 ص 83
[94] - وسائل الشيعة الباب 6 من أبواب نكاح العبيد والإماء ج 21 ص89
[95] - وسائل الشيعة الباب 7 من أبواب نكاح العبيد والإماء ج 21 ص 91
[96] - مسنمسك العروة ، المحقق الحكيم قدس سره الشريف ، ج 14 ص 223
[97] - وسائل الشيعة الباب 157 من أبواب مقدمات النكاح ، الحديث 1 ج 20 ص 258
[98] - بررسی رحم جايگزين از منظر پزشکی ...، مركزتحقيق وتوسعه علوم انساني ( سمت ) ، رسالة الرحم البديل من منظار فقهي ، آية الله القائني ص 69و71
[99] - وسائل الشيعة البا ب 2 من كتاب الوكالة الحديث 2 ج 19 ص 163
[100] - راجع إحقاق الحق ج 4 ص 382و321 علي ما حكي في كتاب البيع للإمام قدس سره الشريف
[101] - البيع ، الإمام الخميني قدس سره الشريف ج 2 ص 157
[102] - مصباح الفقاهة ، المحقق الخوئي قددس سره الشريف، ج 4، ص 38
[103] - هو آية الله المحقق محسن الحرم پناهی قدس سره الشريف في رسالته حول التلقيح الصناعي المطبوعة في مجلة ( فقه أهل البيت عليهم الصلوة والسلام ) الرقم 9
[104] - اهداي گامت وجنین در درمان ناباروري ، مركز تحقيق وتوسعه علوم انساني ، (سمت ) ، مقاله ( آشنایي با لقاح طبيعي ، لقاح خارج رحمي ....) ص 24
[105] - كلمات سديدة الصفحة 92